الشيخ علي الطنطاوي في رنكوس
أرسل لي أحد الإخوة الأفاضل قصة عن الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى في رنكوس كتب فيها :
مما قرأته عن بلدتنا شيئ ذكره الشيخ علي الطنطاوي في الجزء الثالث من كتاب ذكريات وهذا ما ورد بتصرف بسيط جداً
ورد في مذكرات علي الطنطاوي، الجزء الثالث شيئاً عن رنكوس عام 1933 والتي نقل لها بصفة مدرس، جاء فيها:
عندنا قريتان كانتا تعجزان الحكومات صلابة وشدة وعنفاً وجرأة منقطعة النظير هما رنكوس وسرغايا
"لما نُقلت هذه النقلة كنت في قلب الشتاء ، وكنت أستطيع أن أطلب إجازة ولكني لم أقبل الهزيمة. وكانت همة الشباب تملأ جوانحي، فحزمت حقيبتي وركبت إلى صيدنايا، فلما بلغتها وقفت السيارة الكبيرة فيها ونزل منها ركابها. قلت: ولكني أريد الوصول إلى رنكوس. قالوا: مستحيل. قلت: ولِمَ؟ قالوا: الطريق مقطوع قد سدّته الثلوج. قلت لصاحب السيارة: أدفع لك ما تريد فأوصلني. قال: ما عندنا ركاب، فهل تدفع أجر المقاعد كلها؟ قلت: نعم. قالوا: وإن لم نستطع الاستمرار في السير؟ قلت: إن لم تستطيعوا فعودوا والأجرة لكم. وسرنا وسط الثلوج في طريق جبلي خطير، فلما بلغنا نصفه أو أكثر قليلاً لم يعد بالإمكان أن تتقدم السيارة ذراعاً واحداً، فقلت: عودوا وأنا أمشي. قالوا: كيف تمشي؟ الطريق خطر ولا يخلو من الوحوش، والثلوج كما ترى؟ فأصررت ومشيت، مشيت نحو ساعتين ونصف الساعة، الله وحده يعلم ما قاسيت فيهما، وكان البرد يقص العظم، ووصلت، فسألت: أين المختار؟ فنظروا إليّ مدهوشين كأنهم يرون فيّ جنياً طلع عليهم، وقالوا: من أنت، وكيف جئت؟ قلت: أنا المعلم، وقد جئت ماشياً من نصف طريق صيدنايا. وكانوا رجالاً صلاب العود يقحمون الأهوال، فعجبوا من شاب شامي يبدو في أنظارهم رقيق العود قليل الصمود يفعل ما لا يقدمون على فعله…".
دلوني على المختار وكان قاعداً مع صحبه على دكة (مصطبة) يواجه شمس الشتاء الضعيفة فسلمت فردوا رداً ضعيفاً وقالوا من الأخ؟ فأخبرهم من كان معي أنني المعلم وأنني جئت ماشياً، فكبرت في أعينهم قليلاً ودعوني إلى القعود، فقال المختار لا يا جماعة؟ بل يدخل يأكل شيئاً ويستريح. ودخلت معهم إلى المضافة فشربت الشاي وأكلت ماحضر، وسألت أين المدرسة؟ وأين تلاميذها؟. فسبوا الحكومة وشتموا المعلم وفهمت منهم أن الوزارة لم تستأجر داراً للمدرسة ولا صنعت ولا صنع المعلم شيئاً للقرية ( المعلم السابق الذي تم استبداله بالأستاذ علي الطنطاوي)*
وكان الناس قد تواردوا على المضافة ليروا هذا المعلم الذي بلغ حبه التعليم أن يخوض إليه الثلج.
فلما كثر عددهم قمت فألقيت عليهم خطبة نارية أثرت بها وطنيتهم ونبهت إيمانهم وحييت بطولتهم ورجولتهم، ورغبتهم بالعلم ليكون من أبنائهم من يحتل الكراسي وليس الجواسيس والمنافقون من رجال السلطة.
فرجعت إلى وزارة المعارف في دمشق وكان المسؤولان فيها الأستاذ العالم المربي مصطفى تمر والأستاذ الأديب والشاعر شفيق جبري فدخلت عليهما فرحبا بي… وابتدرني مصطفى تمر قائلا: ثو جابك، لازم تكون في رنكوث، انت حاثب الوظيفة لعبه؟ وكان رحمه الله ألثغ ينطق السين ثاء والشين قريبا من الثاء، والزاي ذالا، يقصد “شو جابك، لازم تكون في رنكوس، انت حاسب الوظيفة لعبه؟”.
قلت: اسمح لي أسألك، هل زرت رنكوس؟ فأدرك بذكائه ما أريد فقال: ثو فيها؟ هواء نقي، ومناظر جميلة، قلت: نعم، ولذلك “أكلنا هوا” ورجعنا. . وأخبرهم خبر مدرسة رنكوس التي لا وجود لها فأعطوه إجازة شهر ثم نقلوه إلى زاكية،
ــــــــــــــــــــــــــ
أحمد عبد اللطيف
*م يحيى ضميرية مما حدثني والدي رحمه الله أنه درس في دار عز الدين الخطيب سنتين، وكان الاستاذ خالد قوطرش يدرسهم وكانوا يتعلمون اللغة الفرنسية، ولا أذكر تواريخ.ولكنها زمن الانتداب الفرنسي،
جميل
ردحذف